الأربعاء، 21 أكتوبر 2009

العشاء الأخير


يأتي المساء ...
دخان يملأ الزمان والمكان ...
ونيران شموع تتراقص ...
ولفائف تبغي تتناقص ...
أعدي لنا المائدة ...
ها أنا جالس ... بمحض إرادتي الحرة ...
تلك الشروط ... كما عهدناها في كل مرة ...
أعدي لنا المائدة ...
كأس نبيذ واحد يكفي ... هو لك ...
طعم النبيذ لم يعد يجدي معي ...
فلا شيء يؤثر ها هنا ...
لا تشعر بالبرودة أطرافي المتجمدة ...
ووجهي الشاحب في انعكاسات المرايا لا يبشر بالحياة ...
وبريق الماء في عينيك ... ينذر بالفناء ...

يأتي المساء ...
تتجملين في ثيابك السوداء ...
وتتمايلين مع أنغام الموسيقى كلاسيكية الأهواء ...
وابتسامتك التي تحاول رسم البراءة ....
وكأنك المجدلية ...
وكأننا نعيد المشهد المحتوم في التاريخ تمثيلا بحرفية ....

أكان الخائن يملك ذاك الجمال ؟ .... وما الجمال ؟
وما الحرام ؟ ... وما الحلال ؟
كل شيء ضاع بالأسقام في الأوحال ....
أم كان يملك أظافرك الطويلة المخلبية ؟

أكان يبيع الحب على قارعة الطريق بكاسات النبيذ ...
ومسمار يدق على الصليب ليصلب الأفكار والأشعار ...
أكان الخائن بهذه السادية ؟

ترتبي الأطباق ...
يعلو صوتك الذئبي في ليالي القمر ...
" تعال يا حبيبي للعشاء "
وتنثرين الملح حولك في خفر ...
هكذا تولد الأسطورة ..... عندما يأتي المساء ...

وينتهي العشاء ...
وأنا فاغر فاهي ... أرقب ميلادي المفقود بين عينيك ...
لم أذق طعم الدم المتخثر في كأس نبيذك الأحمر ...
وأراقب آخر قطرة من دمائي تنحدر على شفتيك ...
وأنيابك تقطر ... تقطر ...

يقول العابثون بحجارة في الرمل ...
القارئون كفوف الزمان ..
الراسمون خطوط الطريق ...
ألّا وجود للمطلق في قوانين الظلام ...
لا شر خالص في الزمان ...
لا خير مطلق في الجنان ...
حتى الرضيع يركل ساخطا من أمه وهي تلقمه الحنان ...

أما أنت ...
أنت ذاك الليل الذي من ظلمه غاب القمر ...
من سوءه احترقت نجوم الساهرين ...
وانطفأت جذوة النار التي سرقها برومثيوس رغم ترتيب القدر ...
تركت ظلاما دامسا ...
أنت السواد المطلق ... والحقد في قلب إبليس المعتق ...
تلعنك البسيطة كلها ...
يا أجهل الجهال بالأشعار والأشواق والأزهار والعشاق ...
ما أجهلك !
انتهت قطرات دمي ... فارحلي ...
كل جزء في حنايا البيت يلفظك ... والمرايا تسألك :
من علمك ؟
من علم شعاع الشمس الخيانة حتى يحيد عن زهرة اللوز الحزينة ؟..
من علم القديس تحريف آي الكتاب ببعض ألفاظ مهينة ؟...
من علم الواو الهروب من ( داود ) نحو ( عمرو ) كأنها أخذت رهينة ؟...

ارحلي الآن ...
يا عار الوجود على الوجود ...
كل شيء يسألك الرحيل ...
أريكتك الوثيرة ... بقايا عطرك المنثور على قميصي ...
حتى صورتك القديمة ...
المعلقة على جدار البيت تحمل الوجه النبيل ...
كل شيء هاهنا يسألك الرحيل ....
عندها تقيم روحي بجنة الأرواح ...
عندها ... يأتي الصباح ...
فترحلين ... تتركيني مصلوبا بلا صليب ...
يعاني كبدي من قضمة الرخ العنيد ...
تلوحين ...
تقولين : غدا ينبت لك كبد جديد ...
وغدا يا حبيبي نلتقي ....
عندما يأتي المساء ...


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إبراهيم إيهاب
3/10/2009
اول يوم بكالوريوس !